خطیب صلاة الجعة في ستوکهولم: الضيافة والسخاء من الأمور التي تزيد الترابط والود بين الناس وتقوي أواصر المحبة والألفة بين الأصدقاء

اقيمت صلاة الجمعة العبادية في مركز الامام علي (ع) الاسلامي في ستوكهولم  يوم الجمعة الموافق 2018-03-30.
 
وتطرق امام ومدير مركز الامام علي (ع) الاسلامي العلامة  الشيخ محسن حكيم الهي  (دام عزه)  الى مفهوم مكارم الاخلاق , وتحديدا عن الكرم والسخاء. وفي هذا السياق عرض سماحته الكثير من الآيات القرآنية والرويات عن رسول الله (صلى الله عليه واله و سلم) والائمة الاطهار (عليهم السلام) التي تحث الانسان على مكارم الاخلاق .
 
 
 
صلاة الجمعة: 30 مارس 2018
 
وقال سماحته في الخطبة الاولى  :
 کما تعرفون ان الكرم والسخاء من الصفات التي كان يتحلى بها كثير من أهل الجاهلية قبل الاسلام ويمتازون بها وعابوا من لم يمتلك تلك السجية وعدّوها عليه منقصة ، وراحوا أبعد من ذلك فصاروا يعيرونه ، بل ان العار قد يلحق حتى ذريته ونسله ما لم يظهر فيهم من يتصف بالكرم والسخاء ليمحو ما لحقهم من البخل والجفاء . ولما جاء الاسلام حث على الكرم والسخاء والضيافة واكد عليها في موارد عدیدة ، قال تعالى : " وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ "وقال تعالى :" هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ *إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ  فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ".
 
و كذلك شجع المعصومون (عليهم السلام) على اكرام الضيف ورغّبوا في آداب الضيافة ، كون الضيافة والسخاء من الأمور التي تزيد الترابط والود بين الناس وتقوي أواصر المحبة والألفة بين الأصدقاء ، و اعطف وتهذب النفوس لما فيها من تواضع وتأدب واحترام يظهره المضيف أمام الضيف .
 
فعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال : « من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم ضيفه ، والضيافة ثلاثة أيام وليالهن ، فما فوق ذلك فهو صدقة ، » 
 
وقال (صلّى الله عليه وآله) :« إذا أراد الله بقوم خيراً أهدى إليهم هدية » قالوا : وما تلك الهدية ؟ قال (صلّى الله عليه وآله) : « الضيف ، ينزل برزقه ويرتحل بذنوب أهل البيت » وعنه (صلى الله عليه وآله) : « ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم ، ومن أصبح إن شاء أخذه وإن شاء تركه ، وكل بيت لا يدخل فيه الضيف لا تدخله الملائكة » وعنه (صلّى اللهّ عليه وآله) قال : « الضيف دليل الجنة » 
 
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : « ما من مؤمن يسمع بهمس الضيف ويفرح بذلك إلاّ غُفرت له خطاياه ، وإن كانت مطبقة ما بين السماء والأرض » 
 
و عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال : « ما من مؤمن يحبّ الضيف إلاّ ويقوم من قبره ووجهه كالقمر ليلة البدر ، فينظر أهل الجمع فيقولون : ما هذا إلاّ نبي مرسل ، فيقول ملك :" هذا مؤمن يحب الضيف ويكرم الضيف ولا سبيل له إلاّ إِن يدخل الجنة " »
 
واضاف سماحته :
أیها المومنون الكرم ضد البخل، وهو: بذل المال أو الطعام أو أي نفع مشروع، عن طيب نفس. وهو من أشرف السجايا، وأعزّ المواهب، وأخلد المآثر. 
 
وناهيك في فضله أنّ كل نفيس جليل يوصف بالكرم، قال الله تعالى: «إنّه لقرآن كريم»(الواقعة: 77) «وجاء رسول كريم» (الدخان: 17). 
 
لذلك أشاد أهل البيت عليهم السلام بالكرم والكرماء، ونوّهوا عنهما أبلغ تنويه: 
 
قال الباقر عليه السلام: «شاب سخيّ مرهق في الذنوب، أحبّ الى اللّه من شيخ عابد بخيل» . 
 
وقال الصادق عليه السلام: «أتى رجل النبي صلى اللّه عليه وآله فقال: يا رسول اللّه أيّ الناس أفضلهم إيماناً؟ فقال: أبسطهم كفاً» . 
 
وعن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «السخيّ قريب من اللّه، قريب من الناس، قريب من الجنة. والبخيل بعيد من اللّه، بعيد من الناس، قريب من النار» . و قال الباقر عليه السلام: «أنفق وأيقن بالخلف من اللّه، فانه لم يبخل عبد ولا أمة بنفقة فيما يرضي اللّه، الا أنفق أضعافها فيما يُسخط اللّه». 
 
 
 اخوانی و اخواتی :
 
تتفاوت فضيلة الكرم، بتفاوت مواطنه ومجالاته. فأسمى فضائل الكرم، وأشرف بواعثه ومجالاته ، ما كان استجابة لأمر اللّه تعالى، وتنفيذاً لشرعه المُطاع، وفرائضه المقدسة، كالزكاة، والخمس، ونحوهما. وهذا هو مقياس الكرم والسخاء في عرف الشريعة الاسلامية، كما قال النبي صلى اللّه عليه وآله: «من أدى ما افترض اللّه عليه، فهو أسخى الناس» . 
 
وأفضل مصاديق البر والسخاء بعد ذلك، و أجدرها  عيال الرجل وأهل بيته، فانهم فضلاً عن وجوب الانفاق عليهم، وضرورته شرعاً وعرفاً، أولى بالمعروف والاحسان، وأحق بالرعاية واللطف. وقد يشذّ بعض الأفراد عن هذا المبدأ الطبيعي الأصيل، فيغدقون نوالهم وسخاءهم على الأباعد والغرباء، طلباً للسمعة والمباهاة، ويتصفون بالشح والتقتير على أهلهم وعوائلهم، مما يجعلهم في ضنك واحتياج مريرين، وهم ألصق الناس بهم وذلك من لؤم النفس، وغباء الوعي. لذلك أوصى أهل البيت عليهم السلام بالعطف على العيال، والترفيه عنهم بمقتضيات العيش ولوازم الحياة . 
 
قال الامام الرضا عليه السلام: «ينبغي للرجل أن يوسع على عياله، لئلا يتمنوا موته» . 
 
وقال الامام موسى بن جعفر عليه السلام: «إنّ عيال الرجل أسراؤه، فمن أنعم اللّه عليه نعمةً فليوسع على أسرائه، فان لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة». والأرحام بعد هذا وذاك، أحق الناس بالبر، لأواصرهم الرحمية، وتساندهم في الشدائد والأزمات . ومن الخطأ الفاضح، حرمانهم من تلك العواطف، و إسباغها على الأباعد والغرباء، وهكذا يجدر بالكريم، تقديم الأقرب الأفضل، من مستحقي الصلة والنوال: كالأصدقاء والجيران، وذوي الفضل والصلاح، فانهم أولى بالعطف من غيرهم. 
 
 
ولادة أمير المؤمنين (ع) :
ثم تطرق سماحته في الخطبة الثانية من الصلاة الى ولادة يعسوب الدين الامام علي عليه السلام لاننا نعيش ذكرى ولادته الميمونه , واليكم ما جاء في الخطبة الثانية:
 
اخوانی و اخواتی  کما تعرفون نحن نعیش فی ایام ولاده امیرالمومنین سیدنا و مولانا علی ابن ابیطالب علیه السلام . اهنئكم بهذا العید المبارك و نسئل الله ان یجعل هدیتنا لهذه المناسبه العطره فرج ولیه صاحب العصر و الزمان بقیه الله المنتظر روحی و ارواح العالمین له الفدا. 
 
 
 نحن نعتقد ان ذکر علی عباده  لذا اود ان انقل لكم بعض فضائله ومناقبه الكثیره التی لاتعد ولاتحصی . قال رسول الله (ص) حب علی ایمان و بغضه کفر وقد كتبت في فضائله الكثير من المصنفات والمؤلفات فانه عليه السلام مجمع دائرة الكمال والفضائل بل منه استمد اهل الفضل فضائلهم واليه انتهت رئاسة اهل الفضل وذلك لانه عليه السلام يستمد من ذلك النور اللامتناهي وهو الرسول المصطفى صلى الله عليه واله روحي وارواح العالمين له الفداء لانه سنخه وفرعه وكما قال عليه السلام انا من محمد كالضوء من الضوء  و لنعم ما قال ابن ابي الحديد في هذا الصدد ما أقول في رجل أقر له أعداؤه و خصومه بالفضل ، ولم يمكنهم جحد مناقبه ولا كتمان فضائله ، فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الاسلام في شرق الارض وغربها ، واجتهدوا بكل حيله في إطفاء نوره ، والتحريض عليه ، ووضع المعايب والمثالب له ، ولعنوه على جميع المنابر ، وتوعدوا مادحيه ، بل حبسوهم وقتلوهم ، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيله ، أو يرفع له ذكرا ، حتى حظروا أن يسمى أحد باسمه ، فما زاده ذلك إلا رفعه وسموا ، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه ، وكلما كتم اضاء نشره .  
أن أشرف العلوم هو العلم الالهى ، لان شرف العلم بشرف المعلوم ، ومعلومه أشرف الموجودات ، فكان هو أشرف العلوم . ومن كلامه عليه السلام اقتبس ، وعنه نقل ، وإليه انتهى ، ومنه ابتدأ فإن المعتزلة الذين هم أ هل التوحيد والعدل ، وأرباب النظر ، ومنهم تعلم الناس هذا الفن. أما الخلیفه الثانی فقد عرف كل أحد رجوعه إليه في كثير من المسائل التى أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة ، وقوله غير مرة : لو لا على لهلك عمر ، وقوله : لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن . وقوله : لا يفتين أحد في المسجد وعلى حاضر . 
روى المورخون  أيضا أنه (ص) قال له وقد بعثه إلى اليمن قاضيا : اللهم اهد قلبه وثبت لسانه قال امیرالمومنین علیه السلام: فما شككت بعدها في قضاء بين اثنين. 
ومن العلوم : علم تفسير القرآن ، وعنه أخذ ، ومنه فرع . وإذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحة ذلك ، لان أكثره عنه وعن عبد الله بن عباس ، وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له ، وانقطاعه إليه ، وأنه تلميذه وخريجه . وقيل له : أين علمك من علم ابن عمك ؟ فقال : كنسبة قطره من المطر إلى البحر المحيط .
 
 
  وأما السخاء والجود : فحاله فيه ظاهر ، وكان يصوم ويؤثر بزاده ، وفيه أنزل ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا . إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ) . وروى المفسرون أنه لم يكن يملك إلا أربعة دراهم ، فتصدق بدرهم ليلا ، وبدرهم نهارا ، وبدرهم سرا ، وبدرهم علانية ، فأنزل فيه : (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية ). وهو الذى كان يكنس بیت المال ويصلي فيه، وهو الذي قال : يا صفراء ، ويا بيضاء ، غري غيري . وهو الذي لم يخلف ميراثا ، وكانت الدنيا كلها بيده إلا ما كان من الشام .
 وأما الحلم والصفح : فكان أحلم الناس عن ذنب ، وأصفحهم عن مسئ ، وقد ظهر صحة ما قلناه يوم الجمل ، حيث ظفر بمروان بن الحكم وكان أعدى الناس له ، وأشدهم بغضا فصفح عنه . 
وأما الجهاد في سبيل الله : فمعلوم عند صديقه وعدوه أنه سيد المجاهدين ، وهل الجهاد لاحد من الناس إلا له ! أن أعظم غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وآله وأشدها نكاية في المشركين بدر الكبرى، قتل فيها سبعون من المشركين ، قتل علي نصفهم  وقتل المسلمون والملائكة النصف الآخر 
وأما الفصاحة : فهو عليه السلام إمام الفصحاء ، وسيد البلغاء ، وفي كلامه قيل : دون كلام الخالق ، وفوق كلام المخلوقين . ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة قال ابن نباتة: حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الانفاق الا سعة وكثرة ، حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبى طالب .
وأما الزهد.
 
 
في الدنيا : فهو سيد الزهاد ، وبدل الابدال ، وإليه تشد الرحال ، ما شبع من طعام قط . وكان أخشن الناس مأكلا وملبسا ، قال عبد الله بن أبي رافع : دخلت إليه يوم عيد ، فقدم جرابا مختوما ، فوجدنا فيه خبز شعير يابسا مرضوضا ، فقدم فأكل ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، فكيف تختمه ؟ قال : خفت هذين الولدين أن يلتاه  بزيت . 
 
وكان ثوبه مرقوعا بجلد تارة ، وليف أخرى ، ونعلاه من ليف . وكان يلبس الكرباس الغليظ ، وكان يأتدم إذا ائتدم بخل أو بملح ، فإن ارتفع عن ذلك فبعض نبات الارض ، فإن ارتفع عن ذلك فبقليل من ألبان الابل ، ولا يأكل اللحم إلا قليلا ، ويقول : لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان . وكان مع ذلك أشد الناس قوة ، لا ينقص الجوع قوته . وهو الذي طلق الدنيا وكانت الاموال تجبى إليه من جميع بلاد الاسلام إلا من الشام .
 
وأما العبادة : فكان أعبد الناس وأكثرهم صلاة وصوما ، ومنه تعلم الناس صلاة الليل ، وملازمة الاوراد وقيام النافلة وما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده . 
 
 
اللهم ارزقنا حب امیرالمومنین و زیاره قبره فی الدنیا و شفاعته فی الاخره...  وعجل في فرج سيدنا ومولانا صاحب العصر والزمان (عج).
 
 
 
----
تم النشر: 04-04-2018